حين نزل قوله تعالى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ " الانسان (
ظن بعض المسلمون أن الله عزّ وجلّ لا يثيب على الصدقة إلا إذا كانت لها قيمة عند صاحبها بأن تكون محبوبة له .. فكانوا يحقرون إعطاء الشيء البسيط كالتمرة والكسرة والجوزة.. لكونها أشياء ليست ذات قيمة كبيرة عندهم ويقولون إنما نؤجر على الشيء الذي نحبّه .. فأنزل الله تعالى " وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه " فبين لهم أنه يجازي على القليل من الخير ويرغبهم فيه لأنه يوشك أن يكثُر ..
وقد كان آخرون يرون أنهم لا يحاسبون علىالذنب اليسير كالنظرة والكذبة والغيبة ويعتقدون أن الله وعد بالنار على الكبائر فقط فخاطبهم الله بقوله " وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه " يحذرهم اليسير من الذنب لأنه يوشك أن يكثر.
فإذا علمت أن الله يجازي على الخير وإن قل ويكتب به الحسنات وأنت لا تدري كم حسنة عملتها و كم حسنة قُبلت منك فلا ينبغي أن تزهد في فعل الخير ولو قليل ولا تحقرن من المعروف شيئاً وإن قلّ ..
فهذا القليل إذا استكثرت منه أصبح كثيرًا وكان في نفعه كعظائم الطاعات,
وقد يكون نفعه أوكد.. لسببين
الأول .. أن عظائم الطاعات كالجهاد والحج والصيام وطول القيام في الليل كل هذه الأمور العظيمة قد تكون صعبة في ذاتها فلا تتكرر منك كثيراً ولا يسعها جهدك فيكون الأجر عليها محدود وإن عظُم,
أما الأفعال البسيطة التي يقصد بها الإنسان وجه الله ككلمة طيبة وابتسامة في وجه الآخرين والبدء باليمين والتسمية قبل كل فعل وإزالة الأذى عن الطريق وإلقاء السلام ومساعدة الغير ولو بالقليل كل هذه الأمور سهلة في ذاتها وتستطيع أن تكررها كثيراً لأنها تشمل معظم جوانب الحياة ويسعها غالب وقتك فيحصل لك منها الأجر الكثير نظراً لسهولتها وإمكان تكرارها .
التاني .. إن عظائم الطاعات قد يصيب الإنسان منها العجب لعظم المجهود الذي يبذله فيها فيستعظم صدورها من نفسه وتكون سبباً لعجبه وأمنه من عذاب الله .
وكذلك يصبح للنفس منها حظوظ .. لكون الإنسان محباً للظهور فهـو يُحب أن يُمدح بفعل الخيرات ويفرح بثناء الناس عليه ويحب التميز بين الناس بأن يكون متفوقاً عنهم بكثرة حفظ أو علم أو صيام أو حج فلا تسلم عظائم الأعمال مما يهدد صاحبها إما بالحرمان من الأجر للأسباب السابقة .. من العجب وحب الظهور ومراءاة الناس بها أو بنقصان الأجر عليها في حالة عدم الإتيان بها كما ينبغي مثل أن يصلي الإنسان صلاة طويلة ولا يخشع فيها أو يختم القرآن ختمات كثيرة ولا يتدبر ويحج إلى بيت الله ولم يتحلل من بعض المظالم أو يبني مسجداً بمال فيه قليل من الشًبهة أو يصل رحمه وله بذلك بعض المصالح.
أما صغائر الأعمال فإنها غير معظمة في عيون الناس فلا يسهل أن يُرائي الإنسان بها أو يعجب بنفسه .. وليس للنفس فيها حظ كبير لأن معظمها غير ظاهر للخلق .. فكان محل القبول فيها أوكد من غيرها.
فإذا كان الأمر في عظائم الطاعات على هذه الدرجة من الخطورة وكان الأمر في صغائر الطاعات على هذه الدرجة من السهولة فعليك بالاستكثار من فعل الخيرات .. ولا تحقرن من المعروف شيئاً .. وإن قل.. وإن كان مثقال الذر.
خاصة إذا علمت أن الميزان قد يخف أو يثقل بميزان ذرة من الخير أو الشر , فقد رُوي عن سعيد ابن جبير أنه قال : من زادت حسناته عن سيئاته مثقال ذرة دخل الجنّه .
فلا ينبغي أن تزهد في فعل حسنة واحدة مهما كانت صغيرة فقد يتحدد مصيرك يوم القيامة بحسنة واحدة .. إما إلى جنّة أو إلى نار.
حسنة واحدة تنقص من ميزانك تسبب دخولك النار لأن سيئاتك سترجح بسبب خفة كفة الحسنات..
حسنة واحدة تزيد على سيئاتك تدخلك الجنّة لأنها تكون سبب في ثقل ميزان الحسنات, وحسنة واحدة تتساوى بها سيئاتك مع حسناتك توقفك بين الجنّة والنّار مع أهل الأعراف تعاني من ألم الانتظار إلى أن يرحمك الله فيدخلك الجنّة إن شـاء.
فإذا علمت ذلك فلا تحقرن من المعروف شيئاً وإن قلّ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال:
" لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تُـفرغ من دلوك في إناء المُستسقى ولو أن تلقى أخاك بوجه منبسط "
فما أسهل هذه الأعمال وأيسرها فهي لن تُكلف صاحبها جهداً كبيراً ولكن فعلها يدل على حبّه للخير وتعظيمه لله وحرصه على الفوز بالجنة والنجاة من النار .
أو يكون هذا العمل القليل الأجر البسيط الوزن كان سبباً في رجحان كفة حسناتك فكانت نجاتك متوقفة عليه رغم صغره.
فهل بعد ذلك يشح المسلم بوقته وجهده في فعل الخير ولو كان قليلاً .. إن هذا الخيرالقليل ..
إما أن يزن وزناً ثقيلاً في الميزان لشدة إخلاصك لله تعالى فيه,
أو يكون سبباً في رضوان الله تعالى عليك لوقوعه موقعاً يرضي الله تعالى,
أو يكون سبباً في رجحان حسناتك على سيئاتك..
فلا تحقرن من المعروف شيئاً وإن قل وابحث عن مثاقيل الذر في حياتك واغتنمها.