منذ طفولتى وأنا أعتبر نفسى ذكية وأكثر حرصا وبراعة من زميلاتى بكثير حتى إنهن كن يعتبرننى قائدتهن وزعيمتهن فى كل مضمار وكل مجال
وعندما نضجت أنوثتى وأعلنت عن نفسها لم أسقط فى فخ الحب المخادع كما فعلت زميلاتى
بل كنت دوما واعية حذرة أتعامل مع كل شاب بحزم وحسم ولا أصدق تلك الكلمات الناعمة المعسولة أو أسمح لها بالتسلل الى قلبى أو مشاعرى أو تخدير أحاسيى وعواطفى ...... وعلى
عكسهن جميعا لم أعش أى قصة حب أو ارتباط بل حرصت دوما على التعامل مع الشباب بإسلوب واحد حازم حاسم....... حتى ( أحمد )
كان شابا وسيما ، رصينا ، هادئا ، يكبرنا بعامن دراسين ، ويبدى إهتماما ملحوظا بى ، منذ أول رحلة جامعية تشاركنا فيها معا ....
وأعترف أن شخصيته قد جذبت إنتباهى واهتمامى بالفعل حتى أننى قضيت ليلة أو ليلتين أفكر فيه ، وأتصوره زوجا مثاليا لى .....
ولكننى لم أعلن له اهتمامى هذا ابدا ... لقد صرت على العكس أتجاهله وأتجنبه حتى لايتصور أننى غارقة فى حبه ، فيبدأ فى
التعامل معى بتعال أو إستهتار ،
كما فعل صديق زميلتى فوزية بعد ما تأكد من حبها له ...
ولم أكن مستعدة أبدا ، للوقوع فى الخطأ ، الذى وقعت هى فيه ...
لاينبغى أبدا أن يطمئن أى شاب الى حبى له ... هذة هى القاعدة التى حرصت عليها دوما ..
ولقد بذل ( أحمد ) جهدا مضنيا ،
ليتقرب إلى وحاول ألف مرة أن ينفرد بى ، ليبثنى حبه وولعه ...
وكنت أبتهج لوجودنا معا ، ولكننى لم أمنحه قط الفرصة للإفصاح عما بداخله ... طوال عامين كاملين ، لم ينجح فى الإنفراد بى ولو مرة واحدة ، فى حديقة الكلية ...
وخلال هذة الفترة أدركت أننى كنت على حق فى حذرى الزائد هذا ....
زميلتى سلوى إنفصلت عن حبيبها ...
وإلهام فوجئت بصديقها ينبذها ، ويرتبط بصديقة عمرها نوال ..
وسوسن رفض والدها خطبتها لزميلها وائل لأنه من وجهة نظره غير قادر على الإضطلاع بأعباء الزواج
كل ارتباطات الجامعة تفشل ، أو على الأقل تنتهى على غير ما يرغب طرفاها
لذا ، كان من الحكمة ألا أستسلم لحب ( أحمد )
وقبل إمتحانات عامه الأخير قرر ( أحمد ) أن يواجهنى ،
على الرغم منى ، فإعترض طريقى ذات يوم ، وسألنى فى وضوح وحزم عما إذا كنت أوافق على الإرتباط به ، والزواج منه بعد تخرجه من الكلية .....
وأعترف أن مبادرته قد أربكتنى بحق ...
لقد وضعنى أمام الأمر الواقع ، وأصبح على إتخاذ قرار حازم حاسم فى هذا الشأن ....
ولأننى حذرة فقد طلبت منه مهلة للتفكير ... لست أدرى لماذا أحزنه هذا .؟!
هل كان يتوقع منى موافقه فورية ، بما تتضمنه من اعتراف بحبى له ، طوال العامين السابقين ؟ّ!
مستحيل !
ولقد وافق ( أحمد ) على منحى فرصة للتفكير ، وأخبرنى فى وضوح أنه سيعتبر قرارى نهائيا ، ولن يضايقنى مرة أخرى طيلة عمره ، ولو جاء جوابى بالرفض ....
ولن أنسى أبدا ذلك الحزن المطل من عينيه ، ومن نظرته الأخيرة المفعمة بالعتاب الصامت ، وهو يفارقنى يومها .....
لحظتها خفق قلبى من أجله ....
ولكننى أخمدت خفقاته هذة بمنتهى الحزم والصرامة ...
واتخذت قرارى ...
وفى اليوم التالى ، واجهت ( أحمد ) ،
بنفس الحزم الذى واجهنى به ، وأبلغته قرارى مع تأكيد عدم إستعدادى للتراجع عنه قط ... إننى أوافق على الزواج منه ، بشرط واحد
.. ..... ..........
...............
.......................
أن تكون العصمة بيدى.........
ولقد انتفض جسده ، واتسعت عيناه على آخرهما ، عندما سمع ما قلته ، وحدق فى وجهى بضع لحظات فى ارتياع مستنكر ، قبل أن يتمالك نفسه ، ويشد قامته ، معلنا رفضه التام لهذا الشرط المجحف
... وبسرعة ،
أعلنته برفضى الزواج منه ، إلا بهذا الشرط ...
ولثوان ، وقف كلانا صامتا ، يتطلع الى عينى الآخر مباشرة ....
كانت نظرتى تحمل له كل العناد والإصرار ...
ونظرته تحمل كل الحب والعتاب والمرارة ....
وكما كان رصينا كريما فى حبه الطويل لى ، كان ذلك فى إنصرافه عنى ....
لقد تمنى لى التوفيق فى حياتى ، مع أى شخص يوافق على شرطى هذا ...
وانصرف .........
تمنيت لحظتها لو أعدو خلفه ، وأعتذر عن شرطى ، وأعلن رغبتى فى الزواج منه .........
ولكن كان من المستحيل أن أفعل .....
هذا أمر لن ينساه قط ............
وسيذكره يوما ، ليحطم أنفى ،كما فعل زوج ابنة خالتى معها ...
وأنا حذرة ..
حذرة جدا ......
ولقد قررت أن أنسى ( أحمد ) وأخرجه من قلبى ....
لك يكن سهلا أو بسيطا ،
ولكننى بذلت كل جهدى ، حتى لاأهرع إليه ، وغادرت بلدتى كلها ، بحجة السعى وراء اجازة طويلة ، حتى انتهت إمتخاناته ،
وأصبح من غير المحتمل أن ألتقى به ، ولو مصادفة
... ولكن العجيب أن هذا قد ترك فى نفسى فراغا ،
لم أستطع ملأه أبدا .....
ربما لأنه أول حب فى حياتى ....
ربما .....
المهم أن السنوات قد مرت ، دون أن ألتقى بأحمد وإن علمت أنه قد حصل على عقد عمل جيد ، فى واحدة من دول النفط ،
وسافر إليها منذ فترة قصيرة ....
وتخرجت من الجامعة ،
دون أن أسمح لنفسى بالوقوع فى تلك التجربة مرة أخرى ابدا
........ عدد من زميلاتى خطبن لزملائهن
...... وتزوجن
... بل وأنجبن
... أما أنا ، فقد ظللت كما أنا
.... جميلة
.... مرغوبة
..... حذرة
..... ولكننى بدأت أشعر بضياع عجيب ،
مع مرورالوقت ..كان زميلاتى وصديقاتى أصبحت لهن بيوت مستقرة فيما عداى ....
وكلهن أصبحن يخشين من نظرات أزواجهن إلى ....
وابتعدن ....
أو تباعدن .....
وكان الحل الوحيد ، للخروج من هذا الموقف السخيف ، هو أن ألحق بهن ....
وأتزوج .....
ولكن بنفس الشرط الذىأضاع منى ( أحمد ) ....
لايمكننى التنازل عن هذا الشرط ابدا
فماذا لو فشل الزواج وأردت ان أتحرر منه .؟!
هل ستصبح حياتى تحت رحمة وإرادة من أتزوجه ، لمجرد أنه وحده صاحب الحق فى الطلاق ؟!
مستحيل ! وألف مستحيل ؟!
لن أتخلى عن حذرى وحريتى أبدا ....
وفى مقر عملى الجديد ، التقيت به ( وائل ) ...
شاب وسيم ، أنيق ، قوى البنية ، جرئ النظرات ، ظل يتابعنى ببصره لأسبوع كامل ، قبل أن يطلب منى الزواج مباشرة ...
ولقد أخبرته بشرطى ....
وقبل ......
لدهشتى العارمة ، قبل شرطى ، ووافق عليه ،
بل وتحمس إليه ، وجاء لخطبتى فى الإسبوع التالى ، ليتم زواجنا بعد شهر واحد .....
معظم الناس رأوا أنه زواج سريع لأكثر من اللازم ، إلا أننى كنت مطمئنة تماما ، مادمت قد وضعت فى عقد الزواج تلك العبارة
الرائعة ...
(( ولها الحق فى تطليق نفسها ، وقتما شاءت )))
لم أكن ساذجة كمعظم الناس ، الذين يتصورون أن وجود العصمة فى يد الزوجة يمنع زوجها من تطليقها ، فأنا أعرف جيدا أن حق الرجل فى تطليق زوجته لايسقط أبدا ، ولكن يصبح من حقها هى أيضا ، ، بموجب العبارة السابقة ، أن تطلق نفسها منه ، وقتما شاءت ... ولقد بدأت حياتى مع وائل بثقة ، صنعها إيمانى بقدرتى على الخلاص من كل هذا ،
وقتما أشاء ...... ومن حسن حظى أن فعلت هذا ..... لقد كان ( وائل ) شخصا لايطاق ، والعيش معه أشبه بالعيش فى قلب الجحيم .... إنه شخص تافه ،سافل ، مستهتر ، لايقيم لمشاعرى وأحاسيسى أدنى إهتمام ، أو يلتفت إليها ولو لحظة واحدة ....،
والأسوء أنه بخيل إلى أقصى حد......
لاينفق قرشا واحدا ، إلا على أناقته وعطوره ورباطات عنقه ، تاركا لى كل مصروفات البيت الأساسية .....
ولقد احتملت هذا الوضع الشاذ لعدة أشهر ، قبل أن انفجر فيه ، وأطالبه بلعب دور الرجل ، ..........
وهنا ظهرت اسوء خصاله ....
لقد ضربنى ...........
ضربنى ضربا مبرحا ،
بقسوة ووحشية رهيبتين ،
حتى حطم أنفى ، وأصاب عينى اليمنى بورم مخيف ...
وهنا لم أحتمل
.... وطلقته
.... نعم ....
استخدمت حقى فى تطليقه وقتما أشاء ....
وتصورت أن المشكلة قد إنتهت ، عند هذا الحد ، وأننى قد استعدت حريتى وأمنى ، بسبب ذكائى وحذرى ، و.........
ولكن فجأة وصلنى إخطار من محاميه ،
يبلغنى فيه أن ( وائل ) قد أعادنى إلى عصمته رسميا ......
وكدت أصاب بالجنون ،
وانا أهرع الى محامى ثائرة ،
معترضة على ماحدث ، بإعتبار أننى صاحبة العصمة ...........
وكانت صدمتى رهيبة ، عندما واجهنى المحامى بحقيقة مذهلة .....
فوجود العصمة فى يدى لايمنع وائل من إعادتى الى عصمته ، إذا ما تم طلاقنا ، بإعتبار أن هذا حقه الشرعى ، خلال فترة العدة .....
والقانون يمنحه وحده هذا الحق ، دون حتى الرجوع إلى ، مادمت قد طلقته طلقه عادية ، وليست بائنة ....
. وبقدر الغضب الذى أصابنى ،
هدانى عقلى الى أن الحل مازال بيدى ..
سأطلقه مرة أخرى .....
وطلقة بائنة حتى لايمكنه إعادتى الى عصمته دون إرادتى ....
وهنا ، فاجأنى المحامى بما لم يمكننى احتماله قط ... فالعبارة التى شعرت معها بالإطمئنان والأمان ،
فى عقد الزواج ( وقتما شاءت ) ، لم تكن تمنحنى الحق فى تطليقه سوى مرة واحدة ،
فإذا أعادنى الى عصمته ، لايحق لى تطليق نفسى منه مرة ثانية قط ....
ولكى أحصل على هذا الحق ، كان من الضرورى
_ قانونيا _ أن تضاف كلمة أخرى الى عقد زواجنا .........
كلمة ( وكلما شاءت ) ........ وهذا يعنى أننى قد عدت زوجة الى ( وائل ) ، دون أدنى حق فى تطليق نفسى منه مرة أخرى ....
وهذا ما أنا عليه الآن بالفعل .... زوجة مع إيقاف التنفيذ .... زوجة معلقة ، ينشغل عنها زوجها بغزواته ونزواته ،
فى حين تقضى هى كل وقتها فى ساحات القضاء ، للحصول على حكم بطلاقها منه ........
وكل هذا بسبب كلمة واحدة ، لم يدفعنى حذرى لإضافتها ، فى عقد الزواج ...
. كلمة واحدة ، كنت سأصبح بعدها زوجة حرة ،تستطيع تطليق زوجها وقتما شاءت ... وكلما شاءت .