روى مسلم في صحيحه عن عكرمة بن خالد المخزومي أن رجلاً قال
لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ألا تغزو؟ فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يقول: «إن الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام
الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت».
إن أول ما فُرض بعد تصديق
المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه، عبادات الأبدان، وقدمت على ما يتعلق بالأموال لأن
النفوس على الأموال أشح، وبما يتعلق بالأبدان أسمح، وذلك الصلاة والصيام، قدمت
الصلاة على الصيام لأن الصلاة أسهل فعلاً وأيسر عملاً، وجعلها الله عز وجل مشتملة
على خضوع له وابتهال إليه، فالخضوع له رهبة منه، والابتهال إليه رغبة فيه.
ثم فرض الله تعالى الصيام، وقدمه على زكاة الأموال لتعلقه بالأبدان، وكان
في إيجابه حث على رحمة الفقراء وإطعامهم وسد جوعاتهم، لما عاينوه من سوء المجاعة في
صومهم، فقد قيل ليوسف عليه السلام: أتجوع وأنت على خزائن الأرض؟! فقال: «أخاف أن
أشبع فأنسى الجائع».
ثم فرضت زكاة الأموال فكان في إيجابها مواساة للفقراء
ومعونة لذوي الحاجات، تكفهم عن البغضاء، وتبعثهم على التواصل، لأن الأمل وصول،
والراجي هائب، وإذا زال الأمل وانقطع الرجاء واشتدت الحاجة، وقعت البغضاء واشتد
الحسد، فحدث التقاطع بين أرباب الأموال والفقراء، هذا مع ما في أداء الزكاة من
تمرين النفس على السماحة المحمودة ومجانبة الشح المذموم.
ثم فرض الحج، أعظم
رحلة إلى الله تعالى، فكان آخر فروض الإسلام، وزينة أهل الإيمان، لأنه يجمع عملاً
على بدن وحقاً في مال، فجُعل فرضه بعد استقرار فروض الأموال، ليكون استئناسهم بكل
واحد من النوعين، ذريعة إلى تسهيل ما جمع بين النوعين، فكان في إيجابه تذكير ليوم
الحشر بمفارقة المال والأهل، وخضوع العزيز والذليل في الوقوف بين يديه جل وعلا،
واجتماع المطيع والعاصي في الرهبة منه والرغبة إليه.
قال الشيخ عطية سالم:
وحج البيت منهج إسلامي متكامل، إن كان من جهة العبادة وإفرادها لله تعالى، فهي في
شعارك: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك»، وإن كان في إقامتك للصلاة فأنت
تصلي في سفرك للحج، وتلزم بركعتي سنة الطواف، وإن كان في الصوم {فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ..}[البقرة:196]، فيأتي الصيام أيضاً في الحج. وكذلك الزكاة؛ لأن الحج
يستلزم نفقة في سبيل الله، وهكذا جميع العبادات تأتي ضمن أعمال الحج.
ومن
قال إن الحج «مجسم مصغر للإسلام» فليس قوله بعيداً، بل أعمال الدين والدنيا ماثلة
في الحج؛ من حل وارتحال، وأعمال مالية وبدنية وتعاون الجميع؛ كل ذلك ماثل في الحج.
(1)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]