الْحَمْدُلِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِبِرِّ الوالدينِ، وجعلَ فِي إِرضائِهِمَا سعادةَالدارينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّاللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، القائلُ سبحانَهُ :] وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ اِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُه ُثَلاثُونَ شَهْراً[(
[1]) وأشهَدُ أنَّ سيدَنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ :« بَرَّ أُمَّكَ »(
[2]). اللهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِوالتابعينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأُوصِيكُمْونفسِي بتقوَى اللهِ تعالَى، قالَ عزَّ وجلَّ :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[ (
[3])أيهَاالمسلمونَ: إنَّبِرَّ الوالدينِ واجِبٌ إنسانِيٌّ، وأدبٌ اجتماعِيٌّ، تقتضِيهِ الفطرةُ ويدعُوإليهِ الدينُ، لذَا تكررَتِ الوصيةُ بهِ فِي القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ لِيَثْبُتَفِي أذهانِ الأبناءِ والبناتِ ونفوسِهِمْ حيثُ قالَ اللهُ تعالَى :] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناًإِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَاأُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً[ (
[4]) فَبِرُّ الوالدينِ مِنْ أعظمِ أَسبابِدخولِ الجنةِ، وهوَ مِنْ أفضلِ الأعمالِ التِي تُقرِّبُ العبدَ إلَى اللهِ تعالَى،وهوَ سببٌ فِي زيادةِ الرزقِ وبركةِ العمرِ وصلاحِ الذريَّةِ.
وبِرُّالأُمِّ يعنِي: إحسانَ عشرتِهَا وتوقِيرَهَا وخَفْضَ الجناحِ لَهَا، وطاعَتَهَاوالْتِمَاسَ رِضَاهَا فِي كُلِّ أَمْرٍ، والإحسانَ إلَى قرابتِهَا، ولاَ يقتصِرُ البِرُّ خلالَ حياتِهَا فقطْوإنَّمَا يمتدُّ بعدَ وفاتِهَا، فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ: مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَالسَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ rإِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَمِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ :« نَعَمْ،الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا(
[5]) وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا،وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَتُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا»(
[6]).
عبادَاللهِ: إنَّ دينَنَا قَدْ شرَّفَ الأُمومةَ، وأَعْلَى قَدْرَهَا، حيثُ أضْفَى علَى الأُمِّ بالِغَ التكريمِ، فأنزَلَهَامنْزِلةً خاصةً مِنَ الرعايةِ والتقديرِ والاحترامِ، فقدْ أكَّدَ علَى وُجوبِ برِّهَاوحُسْنِ مكافأتِهَا علَى مَا قاسَتْهُ مِنْ مكارِهِ الحمْلِ والوضْعِ والرضاعَةِ، وعلَى مَا تحملَتْهُ مِنْ مشاقِّالتربيةِ والمراقبةِ والمتابعةِ، والبذلِ والتضحيةِ بكُلِّ غالٍ ونفيسٍ، مِنْ صحةٍ ومالٍوجهدٍ فِي سبيلِ أبنائِهَا، لذلكَ كانَ جزاؤُهَا البِرَّوالإحسانَ والشكرَ الذِي أمرَ اللهُ تعالَى بهِ فقالَ سبحانَهُ :] وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِحَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْلِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ[ (
[7])وقَدْ جَاءَرَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟قَالَ :« أُمُّكَ ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ :« أُمُّكَ ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟قَالَ :« أُمُّكَ ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ :« ثُمَّ أَبُوكَ»(
[8]).
وقَالَ الْحَسَنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ : لِلأُمِّ ثُلُثَا الْبِرِّ وَلِلأَبِالثُّلُثُ(
[9]).
وقدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لأحدِ أصحابِهِيحثُّهُ علَى بِرِّ أمِّهِ :« الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ »(
[10]).
أيهَاالمؤمنونَ: إنَّ بِرَّ الوالدينِ عمومًا والأمِّ خصوصًا فضيلةٌ عظيمةٌ وخُلُقٌكريمٌ، جعلَهُ اللهُ تعالَى صفَةً بارزةً فِي حياةِ الأنبياءِ عليهِمُ الصلاةُوالسلامُ، وسلوكًا واضحًا فِي سيرةِ الصالحينَ الفضلاءِ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضيالله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِىُّ r قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ(
[11]). وهذَا نبِيُّاللهِ عيسَى ابنُ مريمَ عليهِ السلامُ عندمَا تكلَّمَ فِي المهدِ كانَ مِنْ قولِهِ:] وَبَراًّ بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِياًّ[([12]) وقالَ تعالَى عَنْ يحيَى عليهِالسلامُ :] وَبَراًّ بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِياًّ[([13]) وهذهِ نعمةٌ عظيمةٌ امتَنَّ بِهَااللهُ عزَّ وجلَّ علَى يحيَى عليهِ السلامُ أنْ جعلَهُ برًّا بوالدَيْهِ.
وقدْ سارَالمؤمنونَ الصالحونَ علَى نَهجِ الأنبياءِ فِي برِّ الوالدينِ، فعَنْ عَائِشَةَ رضيالله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« نِمْتُ فَرَأَيْتُنِيفِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأ،ُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟قَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« كَذَاكَ الْبِرُّ كَذَاك َالْبِرُّ ». وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ(
[14]). أرأيتُمْ عبادَ اللهِ مَا فعلَ البِرُّ بصاحبِهِ؟لقَدْ أورثَهُ الجنةَ، فاحرصُوا علَى بِرِّ الآباءِ والأمهاتِ تُكْتَبُوا عندَ ربِّكُمْمِنَ البارِّينَ ويُدْخِلْكُمْ جناتِ النعيمِ، ويبَرَّكُمْ أبناؤُكُمْ مِنْ بعْدُ.اللهمَّ اغفِرْ لآبائِنَا وأمهاتِنَا واجْزِهِمْ عنَّا خيْرَ الجزاءِ ووفقْنَا لبِرِّهِمْوطاعتِهِمْ يَا ربَّ العالمينَ اللهمَّوفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطاعتِهِ امتثالاً لقولِكَ :] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ[([15])
يارب يكون الموضوع عجبكم