السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وبعد:
شهر رمضان المبارك· هذا الشهر أخي الفاضل يعني لدينا ولديك الكثير· وأنت شأنك شأن سائر المسلمين قد استبشرت بهذا الشهر الكريم ولا شك.
ويسرني أخي الفاضل في هذا الشهر الكريم أن أتوجه لك بأغلى ما أملك· وأعز ما أقدم سالكا سبيل المصارحة· والحديث تحت ضوء الشمس.
إن المصارحة أخي الفاضل قد تكون مرة الطعم· لكن نتائجها محمودة· وقد ذقنا جميعاً مرارة التستر على العيوب· ولمسنا شؤم دفن الأخطاء باسم المجاملة. فآمل أن يتسع صدرك لسماع ما أقول.
ورع ولكن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وبعد:
أخي الشاب موقف نشاهده جميعا في شهر الصيام أن تجد شابا معرضاً· غارقاً في وحل الشهوات· يتجرأ على الكبائر والمعاصي· ويتهاون في الطاعات الظاهرة. تجد هذا الشاب يتساءل عن قضايا دقيقة في الصيام. كان يتوضأ فتنزل من أنفه قطرات من الدم دون قصد: فهل يؤثر هذا على الصيام أم لا؟ مر في الشارع فدخل جوفه غبار فما الحكم؟ وهو يسأل جاداً· ولديه استعداد تام لتحمل تبعة السؤال قضاء أو حتى كفارة. إن السؤال أخي الكريم عما يشكل على المرء في عبادته مبدأ لا يحق لأحد أن يرفضه وأن وقوع المرء في معصية ليس مبرراً لعدم عنايته بالطاعة· والسؤال عنها. ولكن ألا توفقني أن مثل هذا الشاب يعيش تناقضاً يصعب أن تجد تفسيراً له؟! فلماذا يتورع هنا ويسأل ويحتاط عن أمر اشتبه عليه. بينما يرتكب عن عمد وسبق إصرار ما يعلم أنه حرام بل كبيرة من الكبائر؟!
الانضباط العجيب
يحتاج البعض من الشباب حين تنهاه عن معصية· أو تأمره بطاعة أنه يتقتنع تمام الاقتناع· لكن شهوته تغلبه· هولا يستطيع ضبط نفسه· وقد يبدو العذر منطقيا لدى البعض لأول وهلة. ولكن حين ترى احال مثل هذا الشاب مع الصيام ترى منطقاً آخر. فما أن يحين أذان الفجر حتى يمسك مباشرة عن الطعام ولو كان ما بيده شربة أو لقمة لأنه استيقظ متأخراً. ويبقى عند مائدة الإفطار ولا يتجرأ على مد يده قبل أن يسمع الأذان. وهو أثناء النهار مهما بلغ به العطش والجهد لا يفكر في خرق سياج الصوم. واستباحه حماه· ألا ترى أن هذا السلوك - وهو سلوك محمود ولا شك - يدل على أنه يملك القدرة على ضبط نفسه· والانتصار على شهوته؟ إن الصيام أخي الشاب يعطينا درساً أننا قادرون بمشيئة الله على ضبط أنفسنا والانتصار على شهواتنا.
هل رأيت هؤلاء؟
هل تفضلت أخي الشاب أن تأتي إلى مسجد من المساجد ممن رزق الله إمامه الصوت الحسن المؤثر فرأيت ذاك الجمع من الشباب الأخيار؟ وقد عقدوا العزم على الوقوف بين يدي الله في تلك الصلاة ولو امتدت إلى السحر· في حين ترك غيرهم صلاة الجماعة أصلاً؟ ولو أتيت في العشر الأواخر لم تجد إلا القليل. فقد توجهوا صوب البيت العتيق يبتغون مضاعفة الأجر· وحط الوزر. في حين ترى غيرهم يقضي ليالي رمضان فيما لا يخفى عليك. ماذا لو وجه ذاك الشاب الذي يجوب الأسواق هذا السؤال نفسه· ولهم شهوات وأمامهم عوائق كما أن لي شهوات وأمامي عوائق.
ألا تطيق ما أطاقوا ؟
أخي الكريم: كثير هم الشباب الذين كانوا على جادة الانحراف· وفي طريق الغفلة· يمارسون من الشهوات ما يمارسه غيرهم· ثم من الله عليهم بالهداية· فتبدلت أحوالهم وتغيرت وساروا في ركاب الصالحين· ومع الطائعين المخبتين. وربما كان بعضهم زميلاً ذلك. فكيف ينجح هؤلاء في اجتياز هذه العقية ويفشل غيرهم؟ إن العوائق عند الكثير من الشباب عن التوبة والالتزام ليس عدم الاقتناع· بل هو الشعور بعدم القدرة على التغير أفلا يعتبر هذا النموذج مثلاً صالحاً له· ودليلاً على أن عدم القدرة لا يعدو أن يكون وهماً يصطنعه؟
قبل أن تذبل الزهرة !
لقد أبصرت عيناك أخي الكريم ذاك الذي احدودب ظهره وصارت العصا رجلاً ثالثة له وتركت السنون الطويلة آثارها على وجهه. أتراه ولد كذلك؟ أم أنه كان يوماً من الأيام يمتلئ قوة ونشاطاً؟ ألا تعلم أني وإياك سنصبح مثله· وإن لم تتخطفنا المنية - وهذه أشد - وتزول هذه النضارة· وتخبو الحيوية· فماذا أخي الكريم لو حرصنا على استثمار وقت الشباب في الطاعة قبل أن تفقده فتتمناه وهيهات.
وعن شبابه فيما أبلاه؟
أخي الكريم لا شك أنك تحفظ جيداً قوله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم اقيامة حتى يسأل عن أربع· عن عمره فيم أفناه· وعن شبابه فيم أبلاه· وعن ماله من أين اكتسبه· وفيم أنفقه).
أخي الكريم لنفكر مالياً في واقعنا الآن فهل سنجد الإجابة المقنعة· المنجية أمام من لا تخفى عليه خافية عن هذه الفقرة (شبابه فيم أبلاه) وهل حالنا الآن مع عمر الشباب تؤهل لاجتياز هذا الامتحان. ألا ترى أن أمامنا فرصة في اغتنام الشباب والإعداد للإمتحان؟
سابع السبعة!
أخبر صلى الله عليه وسلم أنه في يوم القيامة يوم تدنو الشمس من الخلائق فتكون قد ميل· ويبلغ منهم الجهد والعرق كل مبلغ أنه في هذا اليوم هناك من ينعم بظل الله وتكريمه ومنهم (شاب نشأ في طاعة الله عزوجل) فماذا يمنع أن تكون أنت واحداً من هؤلاء؟ وما الذي يحول بينك وبين ذلك. فأعد الحسابات· وصحح الطريق· واجعل من الشهر الكريم فرصة للوصول إلى هذه المنزلة.
ما أعظم ما تقدمه في هذا الشهر الكريم؟
أخي الشاب: لا شك أنك رأيت الناس وقد تبدلت أحوالهم في هذا الشهر. فالمساجد قد امتلأت بالمصلين والتالين لكتاب الله. والأماكن المقدسة ازدحمت بالطائفين والعاكفين· والأموال تتدفق في مجالات الخير. فهذا يصلي· وهذا يتلو· والآخر ينفق· والرابع يدعو. فأين موقعك بين هؤلاء جميعاً؟ ألم تبحث لك عن موقع داخل هذه الخارطة. أليس أفضل عمل تقدمه· وخير إنجاز ذتحققه التوبة النصوح وإعلان السير مع قافلة الأخيار. قبل أن يفاجئك هادم اللذات فتودع الدنيا إلى غير رجعة: فهل جعلت هذا الهدف نصب عينيك في رمضان وأنت قادر على ذلك بمشيئة الله؟
التوبة والموعد الموهوم
كثير من الشباب يقتنع من خطأ طريقه· ويتمنى التغيير· لكنه ينتظر المناسبة ألا وهي أن يموت قريب له· أو يصاب هو بحادث فيتعظ· ويهزه الموقف فيدعوه للتوبة. ولكن ماذا لو كان هو الميت فاتعظ به غيره؟ وكان هذا الحادث الذي ينتظره فعلاً ولكن صارت فيه نهايته؟ ليس أخي الشاب الإنسان في الدنيا إلا فرصة واحدة فالأمر لا يحتمل المخاطرة.
فهلا قررنا التوبة اللحظة؛ وسلوك طريق الاستقامة للآن؟
إن القرار قد يكون صعباً على النفس وثقيلاً· ويتطلب تبعات وتضحيات لكن العقبى حميدة والثمرة يانعة بمشيئة الله.
الشيــخ محمد بن عبدالله الدويش